كارثة في
القانون المصري ضد غش الأدوية
الأدوية المخدرة.. مابين الإدمان والإتجار وصمت الدولة!
تحقيق:
سلوى سعيد- نورا الدسوقي- نهى ابراهيم- أحمد توتو- عمرو مرعي
الترامادول،
الفراولة، الهالوثين، زولدوكس، ريمورون، الفاليوم، تراموندين؛ جميعًا عقارات علاج
لأمراض عديدة منها للاكتئاب ومنها المسكنات، أدوية أعدها القائمين من الصيادلة
والعلماء من أجل تخفيف أوجاع وآلام الناس ولم يكن في حسبان أي منهم بالتأكيد أن تصبح
تركيبات تلك الأدوية تستخدم في تكبير "دماغ" البعض من الشباب!
الإدمان
موضوع قتل بحثًا على صفحات الجرائد والمجلات والتقارير التلفيزيونية، كما تم تداوله
في العديد من البحوث العلمية، ولكن ككل شئ في مصر يتطور بشكل عشوائي مما ينتج عنه
أسباب وظواهر غريبة، كالذي حدث بعد مناقشة واكتشاف أسباب اللجوء للإدمان المتعارف
عليها، ظهر شكل جديد من المدمنين في مصر وهو مدمن من أجل "أكل العيش"،
حيث أصبح العمل في مصر غاية تبرر وسيلة اللجوء لمثل تلك الأدوية من أجل تحمل
المشقة والتعب والعمل! حتي أن هؤلاء الأشخاص من المدمنين لا يري أيًا منهم نفسه أنه
مدمن، بالعكس فهو لم يتعاطي الحشيش أو الهروين أو غيرهم من أشكال المخدرات، ولم
تكن دوافعه الترف أو غير ذلك، إنه يري نفسه كمريض يلجأ لتعاطي دواء كمسكن لتحمل كل
ما هو صعب!
في
السنوات الأخيرة كثيرًا ما نشرت وسائل الإعلام عن حوادث طرق كان سببها تعاطي
السائق لدواء أو مخدر الترامادول، وكثيرًا ما نشر أخبار عن تهريب كميات هائلة من
نوعية تلك الأدوية بطرق غير مشروعة وبيعها لغير مستحقيها من المرضى الحقيقين، مما
جعل الجميع في حالة مواجهة مع خطر جديد يطرأ علي عقول الشباب من أجهزة الدولة إلى
الهيئات الرقابية وشركات الأدوية والصيدليات وحتي أفراد المجتمع.
ظاهرة محيرة
في تناولها ما بين الجانب الإنساني لبعض الحالات وبين آخرين اتخذوا من تلك الوسيلة..
إدمان رخيص الثمن!
لأن أصل هذه
الأنواع من الأدوية المخدرة تعود صناعته إلى شركات الأدوية، توجهنا إلى
د. ألفت البهنيمى مدير إدارة الشركة المصرية للأدوية
، والتي أوضحت لنا أنه يوجد ثلاث جداول أول وثانى وثالث لكل المتداول
وأضافت أنه
يوجد حاليًا أنواع تحولت جدول أول في العقوبة ولكن في الصرف يتم التعامل معها كجدول
ثاني مثل الترمادول والذي لا يتم توزيعه في مصر إلا عن طريق شركتنا.
وتابعت.. يتم تحديد نسبة معينة لكل صيدلية من تلك الأنواع، والتي تم إدراجها على الشكل التالي: لكل صيدلية 300 قرص من أي صنف و 300 أنبولة من أي صنف و30 علبة من أدوية الشرب و300 لبوسة.
أما في
حالة اكتشاف امتلاك صيدلية لأكثر من حصتها المحددة، تعتبر جناية قانونية عقوبتها
من 5 إلى 25 عام سجن.
ومن الحديث
مع د. الفت توجهنا، إلى الجهة الرقابية المنوط بها مراقبة كافة المؤسسات العاملة
في الدولة وهي هيئة الرقابة الإدارية المصرية، التي بفضل سواعد الجهود الذي يقوم
بها العاملون بالهيئة تم ضبط ملايين من الأدوية المهربة بالطرق الغير مشروعة،
ويقول "محمد حسن" الموظف بالهيئة: دائمًا ما يتم ضبط تلك الأدوية من
خلال الموانئ المختلفة ويتم اخفاؤها في الطرود أو الحاويات
وعن الجهات
التي تساعد هيئة الرقابة الإدارية في ممارسة دورها في ضبط تلك الأدوية داخل
الصيدليات، أشار حسن إلى أن القوانين تحتم وجود مفتشين بوزارة الصحة المصرية تقوم
بالتفتيش الدوري علي الصيدليات للتأكد من أن تلك الأنواع يتم صرفها عن طريق
الروشتات الطبية فقط،
وتماشيًا
مع القوانين المصرية كان لنا الحديث مع وكيل وزارة الصحة بالإسكندرية، والذي تحدث
عن أن الأدوية المزيفة والمغشوشة الموجودة في الأسواق يوجد منها المحلي الذي يتم
غشه بأيدي مصرية وهناك المستورد المغشوش في الخارج ويتم استيراده بالدولار .ويقوم على أمر تزييف الأدوية في هذه المراكز عصابات
الجريمة المنظمة «المافيا» والتي أدخلت منذ سنوات عمليات غش الأدوية كأحد المجالات
الرئيسية التي تعمل فيها لكم الأرباح الهائلة التي تحققها
فمثلا نجد
في مصر أنه بينما تصل عقوبة تهريب المخدرات إلى الإعدام نجد عقوبة تهريب الأدوية
الفاسدة والإتجار فيها بسيطة جدًا ولا تتعدي الغرامة والحبس لمدة عامين مع ملاحظة
أن الحبس يكون في حالة موافقة وزير المالية على تحريك الدعوى المدنية ضد المهرب
وهذا لايحدث كثيرًا، ففي الغالب تكتفي وزارة المالية بدفع المهرب للغرامة التي قد
تصل ،إلى ملايين الجنيهات، ولكن في عمليات تهريب الأدوية الفاسدة الكبيرة فقط، أما
عقوبة الصيادلة الذين يبيعون أدوية مجهولة المصدر في صيدلياتهم فلا تقل عن 20 ألف
جنيه غرامة ولا تتجاوز 250 ألف جنيه وذلك طبقًا للتعديلات التي أدخلها في عام 1998
د. إسماعيل سلام وزير الصحة وقتها علي قانون مزاولة مهنة الصيادلة حيث كانت
العقوبة قبل ذلك القانون لاتتجاوز 200 جنيه غرامة!!
ويضيف إن
من أسباب زيادة عمليات تقليد وغش الدواء السماح لأي شخص باستيراد الآلات الخاصة
بتصنيع الأدوية خاصة المستعملة منها التي يكون سعرها منخضًا جدًا خاصة في الهند
والصين.
فب 100
ألف جنيه فقط تستطيع أن تنشئ مصنعا للأدوية المقلدة والمغشوشة، ومع وجود خبرة ولو
محدودة في مجال الصيدلة و تصنيع الدواء تستطيع أن تملأ السوق بأي كميات من الأدوية
التي قد تتشابه تمامًا مع نظيرتها الأصلية بدءًا من شكل ولون العلبة ورقم التشغيلة
وطريقة تغليف الكبسولات أو الأقراص وحجمها ولونها بطريقة يصعب اكتشافها حتي علي
الصيادلة أنفسهم!
خاصة إذا
علمنا أن بعض شركات الأدوية بعد انتهاء العمر الافتراضي للدواء والمادة الخام
تبيعه لشركات أخري فتؤسس به مصانع تحت بير السلم!
ومن ذلك
الحديث كانت محطتنا الأخيرة مع القائمين على القطاع الصيدلي في مصر، مع د.
مهجة موريس مديرة صيدلية العزبى فرع رشدى، التي أشارت إلى أنها تتعامل مع الأدوية
بحرص أثناء عرض الطلب عليها في الصيدلية كجميع الأدوية المخدرة و أدوية الجداول الأولى والثانية،
خاصة أنواع المورفينات التي يعاقب عليها قانون المخدرات إذا تم بيعها بشكل غير
قانوني
و اضاف الدكتور
محمد إبراهيم أستاذ علم النفس الذي تحدث معنا عن أثار الإدمان النفسية الذي يكاد أن
يكون شاملًا لعموم جوانبها، كالانفعالية والتي يكون فيها المدمن
يعاني في أغلب الأحيان من اضطراب يدفع إلى الحزن الشديد، ولوم الـــذات، والميل
إلى العزلة عن الآخرين وكذلك تخلخل الوجدان والعاطفة، فضلًا عن السلوكية وفـــي
إطارها يكون الخلل واضحًا في التعامل مع الذات والآخرين لمستوى يدفع فـــي بعض
الأحيان إلى توجهات عدوانية لتدمير الذات والآخرين في وقت واحد، وتؤدي أيضًا إلى
تــدهور شخصيـة المدمن حتى تصبـح بعـــد فترة من الزمن اعتمادية علـى الغير، تتسم
بالتهرب من المسؤولية وعدم الثقة بالنفس وكذلك بالآخرين،
وفي النهاية يظل السؤال عما إذا
كنا نمتلك القوانين الرادعة والهيئات الرقابية والضبطية، وإن كان يعي البعض منا إخطار
ذلك النوع من الإدمان حتي المدمنين كما تحدث إلينا واحدًا منهم، لماذا لم يتم ردع
تلك الظاهرة، لماذا تزداد بدلًا من انحصرها، بلا شك الكثير ممن في يدهم القرار
يعملون بجد وإخلاص ساعد علي ضبط الكثير، ولكننا نظن أننا نحتاج المزيد من كل فرد
منا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق