الأحد، 14 يونيو 2015

رحلة في قلب قناة السويس ومشاريعها!

تحقيق: نهي ابراهيم

كان المخطط الذهاب إلى مكان العمل بمشروع قناة السويس الجديدة والتي استدعت رحلة السفر علي طريق الإسكندرية-الاسماعيلية استغرقت قرابة الـ7 ساعات، ومن مدينة الاسماعيلية بدأت رحلة أخرى، بشكل اخر، رحلة أشبه ببانوراما شاهدة علي تاريخ وحاضر ومستقبل..

بعد الوصول إلى مدينة الاسماعيلية توجهنا حيث مكان انطلاق "المعدية" للعبور من حيث قناة السويس الأصلية إلى جهة قناة السويس الجديدة، وبالرغم من أنها مجرد وسيلة لتحقيق غاية الوصول إلا أنها في حد ذاتها كانت رحلة، رحلة جعلتنا ننتقل من أمام خط برليف السد أو الخط الدفاعي شديد التحصين الذي أقامته القوات الاسرائيلية وقت احتلالها لأرض سيناء، قبل حرب أكتوبر المجيدة في 73 ، لمنع القوات المصرية من عبور قناة السويس والاستحواذ علي الضفة الشرقية، والذي أقيم علي الحافة الشرقية لقناة السويس علي بعد عشرات من السنتيمترات من مياهها على امتداد 170 كم، وعرف بأنه أكبر حاجز مانع في التاريخ، وأثبت أنه كان مجرد أسطورة بعد انتصار  الجيش المصري.

في الواقع لم يكن خط برليف ولا قناة السويس الأصلية وحدهم مصدر الشعور بالفخر والهيبة والرهبة والسعادة والحب أثناء المرور ولكن سمة شئ في المكان يجعلك بمجرد المرور من هناك تشعر بأحاسيس مختلفة جميعها تبعث روح أمل وحب وسعادة بداخلك.

وبعد دقائق كنا علي أرض سيناء، حيث مكان الحفر بالقناة الجديدة بعد مرور أكثر من 7 أشهر علي بدء العمل هناك، ولتكن المفاجأة هي ظهور ووضوح المياه بالقناة الجديدة بلونها الأزرق الصافي النقي وكأنه شئ من الإعجاز العلمي بتحويل الصحراء في غضون أشهر إلى مياه يمكن الإبحار بداخلها.


فور وصولنا استقبلنا رجال القوات المسلحة، وكان اللقاء الأول مع العقيد محمد ابن الإسكندرية والذي تحدث لنا بالتفصيل عن مشروع قناة السويس الجديدة، ولم يبخل بأي معلومات، مشيرًا إلى أن المشروع الجديد هو إنشاء لقناة موازية لقناة السويس الأصلية، وتحويل المنطقة من مجرد معبر تجاري إلى مركز صناعي ولوجيستي عالمي لإمداد وتموين النقل والتجارة، وقد تم طرح مشروع تنمية القناة ثلاث مرات من قبل: مرتان في عهد مبارك والثالثة كانت في أثناء حكم محمد مرسي.

موضحًا أن طول قناة السويس الأصلية يبلغ 190 كيلومترًا، أما عن طول القناة الجديدة يبلغ 72 كيلومترًا منها 35 كيلو مترًا حفرًا جافًا و37 كيلومترًا توسعة وتعميق للقناة الأصلية، وتشرف على إنشاء المشروع لجنة وزارية يرأسها رئيس مجلس الوزراء إبراهيم محلب وتنفذه القوات المسلحة.

وتابع العقيد بأن تكلفة شق القناة الجديدة تقدر بنحو 4 مليارات دولار، ويطمح المشروع إلى توفير مليون ونصف وظيفة وتنمية 76 ألف كيلومترًا على جانبي القناة واستصلاح نحو 4 ملايين فدان، وأضاف أنه وفقًا لتعليمات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أغسطس 2014 سيتم الانتهاء من حفر القناة في خلال عام واحد فقط، علي الرغم من أن خطة حفر القناة الجديدة تستغرق ثلاث سنوات.

وأثناء الحديث اقتطع إجراء الحوار بسبب بدء توافد الزائرين من الشعب المصري لزيارة قناة السويس الجديدة، رحلات مختلفة من كل أرجاء الجمهورية، من طوائف مختلفة اقتصاديًا واجتماعياً، ما بين رحلات لموظفين ببنوك ورحلات لطلبة بالمدارس ورحلات لربات بيوت، تختلف الصفات وتبقى الفرحة واحدة مرسومة علي وجه كل منهم، الكل يحمل علم مصر، الكل يتزين بملابس ملونة بألوان أعلام مصر أو ألوان قريبة من الزي العسكري، البعض يغني لمصر والبعض يتهافت لإلتقاط الصور التذكارية داخل أرض القناة، وكأن الجميع يعي أنه تاريخ يكتب ويسجل في وجود كل منهم.

استقبل أبناء القوات المسلحة الزائرين وتحدثوا إليهم عن المشروع وما تم إنجازه وآليات العمل فيه بكل شفافية، واستمعوا إلى أسئلة الجميع، وكأنك تشاهد ليلة من ليالي العيد في غير أوانه، مشهد مبهج لصورة مصر الجديدة.




 كان علينا متابعة العمل قبل ضياع الوقت، وكان يجب علينا تحقيق نوع من السبق في التعرف علي المشروعات التنموية المنتظر إنشاؤها علي إقليم محور القناة، وكانأول تلك المشروعات والذي تم بدء العمل فيها بالفعل، هو إنشاء مدينة الاسماعيلية الجديدة، ولكن كان أول ما واجهنا في طريق الاكتشاف والتعرف هو صعوبة التنقل إلى مكان العمل نظرًا لصعوبة ظروف العمل هناك القائم على صحراء تامة.

ولأن التجربة كانت تستحق، لم تكن أمامنا حل سوى ركوب سيارة نقل للتنقل من مكان القناة الجديدة إلى مكان إنشاء مدينة الاسماعيلية الجديدة.

وداخل سيارة النقل المكشوفة وسط التنقل في الصحراء والشمس وصلنا إلى المكان المراد بعد مرور ساعة تنقلنا خلالها لمشاهدة كل ركن وكل تفصيلة من مشروعات إقليم محور القناة ومشروع إنشاء مدينة الاسماعيلية الجديدة.




كان اللقاء الأول مع سيادة اللواء طارق محمد، في مكتبه الكائن وسط أعمال الحفر والبناء، وسط العمال والمهندسين وأبناء القوات المسلحة، في مكتب يخلو من التكيفات أو المراوح، في مكتب يدخله كل من يطرق الباب ويحتاج إلى مساعدة.

وتحدث إلينا عن مشروع إنشاء مدينة الاسماعيلية الجديدة والتي ستقام على الشاطئ الشرقي لقناة السويس الجديدة في المنطقة المواجهة لمدينة الاسماعيلية بداية من الكيلو 76 من ترقيم قناة السويس جنوب الطريق الأوسط حتى المنطقة المواجهة لجبل مريم، وتعد المدينة الجديدة مدينة سكنية متكاملة الخدمات، مشيرًا أنه تم بدء العمل بقيادة 70 شركة تعمل في أعمال إنشاءات المدينة.

والمخطط لها أن تضم 34 ألف وحدة سكنية بمساحات مختلفة، سيتم تسليمها بالتشطيبات النهائية بجانب مجموعة من الفيلات إضافة لخدمات مختلفة من بينها مستشفيات وأندية ومدارس ومواقف أتوبيسات، على أن يتم الانتهاء من بعض الأعمال منها بالتزامن مع افتتاح قناة السويس الجديدة.

وبعد الحديث دعانا إلى القيام بجولة وسط العمال والشركات الهندسية المسئولة عن البناء والتي بدأت بالفعل رمي الأساسات، وهو ما يجعلك بعد مشاهدة كل موقع من مواقع العمل تعجب بتلك منظومة العمل المتكاملة التي تعمل بانتظام وسرعة وجد لم تتعاد عليه المشروعات الأخرى في مصر، فكل كلمة نحصل عليها نري امامها صورة حية وواقعية تفوق الكلمات، صورة تحمل نتائج فعلية لكل ما يتم إنجازه وعمله داخل ذلك المشروع القومي.

كل شئ جاد وواقعي وملموس داخل أرض قناة السويس، يجعلك لا تشعر بصعوبة المكان والتراب وارتفاع درجات الحرارة، أمام عمل كل عامل ومهندس وضابط ومجند "واقف على رجله" وسط تلك الظروف الصعبة من أجل إنجاز مهام العمل المطلوب.

ولأنها كانت رحلة المفاجآت، كان من المدهش أثناء التحدث مع العاملين هناك وسط تلك الظروف، أن الجميع يعمل بحب ومعنويات مرتفعة، الجميع مبتسم وراض عن التأمين الصحي الذين يلاقوه مقابل تلك المشقة والتعب، مرحبين بنا وكأنهم يعملون داخل مكاتب لا صحراء وكأنها ملحمة من أجل تعمير تلك الدولة.





ومن أجل هذا التعمير حصلنا على معلومات تفيد أن النطاق الجغرافي لمشروع تنمية محور قناة السويس يمتد علي جانبي القناة من بورسعيد إلى السويس مرورًا بالاسماعيلية، ويشمل كذلك بعض المراكز حتى العريش شمالاً وكذلك بعض المراكز حتى خليج السويس جنوبًا والذي يشمل مشروعي تنمية محور القناة وشق قناة السويس الجديدة اللذان يعدان من أهم المشروعات التنموية والقومية المصرية.

ويعد دور مشروع تنمية محور قناة السويس في إعادة التوزيع العمراني والجغرافي للسكان، من خلال مشروعات عمرانية متكاملة تستهدف استصلاح وزراعة نحو 4 ملايين فدان وإنشاء 3200 كيلو متر مربع من الطرق.

فضلاً على أن الخطة التنفيذية للمشروع تستهدف تنفيذ 42 مشروعًا منها 6 مشروعات ذات أولوية وهي مشروع تطوير طرق القاهرة- السويس- الاسماعيلية- بورسعيد وتحويلها إلى طرق حرة للعمل على سهولة النقل والتحرك بين أجزاء محور القناة وربطه بالعاصمة، بالإضافة إلى مشروع إنشاء 6 أنفاق تشمل إنشاء نفق الاسماعيلية المار بمحور قناة السويس للربط بين ضفتي القناة شرقًا وغربًا.

وكذلك إنشاء نفق جنوب بورسعيد أسفل قناة السويس لسهولة الربط بين القطاعين الشرقي والغربي لقناة السويس، فضلًا عن مشروع تطوير ميناء نوبيع وتحويلها إلى منطقة حرة وتطوير مطار شرم الشيخ إلى جانب إنشاء مآخذ مياه جديدة على ترعة الاسماعيلية حتي موقع محطة تنقية شرق القناة وذلك بهدف دعم مناطق التنمية الجديدة بالقناة، بالإضافة إلى عدد من المشروعات اللوجستية، التي من شأنها أن تضاعف من عائد قناة السويس، وإقامة وادي السيليكون للصناعات التكنولوجية  ومنتجعات سياحية علي طول القناة.

وقد أثبتت المؤشرات الأولية لدراسة المنطقة وقدرتها علي جذب استثمارات صناعية وخدمية تقدر بحوإلى 100 مليار دولار، كما توفر المنطقة مليون فرصة عمل مباشرة.
وبعد الأرقام والإحصائيات كان الرجوع إلى أرض الواقع بالتحدث مع المهندس يحيى زكي، المدير التنفيذي لدار الهندسة، والذي أكد على أنهم بدأوا العمل بمشروع قناة السويس الجديد في سبتمبر الماضي، وكان هناك فريق عمل متكامل، بمنهجية محددة، موضحًا أنه كان هناك تعاون على أقصى درجة من هيئة قناة السويس والحكومة، من أجل إيجاد مشروعات وتخطيط دقيق تصل إلى 30 % من الاقتصاد المصري، ولهذا وضعت على معايير سليمة، مشددًا على أن الخطوة القادمة تساوي ما سبق في الأهمية من أجل العمل علي أرض صلبة.

وبعد إجراء الأحاديث في أخر يوم طويل، كان علينا توديع نطاق إنشاء مشروع قناة السويس الجديدة ومحور قناة السويس، والرجوع إلى محافظة الاسماعيلية في طريق أخذ 45 دقيقة، تملكني خلالها شعور بالفخر بذلك المشروع القومي العظيم، وسعادة بأننا جيل عاصر عمل تاريخي سيكتب بجانب الأعمال الوطنية العملاقة، وشرف بـأنني أنتمي إلى أم الدنيا وقواتها المسلحة الرائعة.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق