تحقيق: نوره الدسوقى
لأكثر من أربع ساعات كنت في مغامرة
مختلفة، قضيتها داخل سجن النساء بالقناطر الخيرية، عالم مثير للدهشة..
نساء شابات محبوسات بين الأسوار لأعوام طويلة.. وأطفال ولدوا بين أحضان السجن..
سوف أسرد لكم تفاصيل ما شاهدته لحظة دخولي إلى "سجن النساء" بالقناطر الخيرية..
عند دخولي، وجدت الكافتريا.. ثم
محل التجميل "الكوافير" الراقي الذي ربما لايقل مثيله خارج السجن، وروضة
لأطفال السجن، وهي ليست لأطفال العاملات في السجن، بل للأطفال الذين ولدوا
وترعرعوا في أحضان السجن، أمهاتهم مسجونات لمدد طويلة وكتب القدر على أطفالهن أن
يشبوا داخل أحضان السجن
.
من ينظر إليهن لا يستطيع أن يفرق
بينهن، المشهد واحد يرتدين الملابس البيضاء، إنهن نساء سجن القناطر، تعيش هنا المئات
من النزيلات.. متهمات في قضايا مختلفة.. أعمارهن مختلفة.. وثقافتهن أيضا!
كنت متلهفة لمشاهدة هذا العالم
الغريب الغامض والذي تنسج حوله الحكايات والأساطير ولا نعرف عنه الكثير سوى ما
يعرض في الأعمال الدرامية من وجهة نظر المؤلف والمخرج.
وجاءت لحظة مشاهدة سجن القناطر،
وبرغم ما يوحي به شكل مباني السجن البنية اللون ومعالمها التي غلبت علي كل المنطقة
المحيطة به من صرامة، ذلك اللون الذي صبغ معظم مباني منطقة القناطر بنفس اللون
البني السكنية منها والحكومية لتشعر كأنك دخلت حرم السجن منذ وطأت قدماك منطقة
القناطر الخيرية الشهيرة! نجد وراء هذه الأسوار حزن خيم في عيون كثير من السجينات
الأمهات منهن والفتيات، فالجميع يتطلع إلي ما وراء الأسوار، ويتمني لو كان خارجها
وسط أحبائه وذويه بدون قيد أو رقيب، يتنفسون هواء الحرية.
في هذاالمكان.. تعيش آلاف الحكايات
والأسرار التي تحملهم النزيلات.. منهن من تعيش حياتها بشكل طبيعي داخل السجن ولم تؤثر
فيها التجربة، ومنهن من يعشن في جحيم لايحتمل.. عذاب البعد عن العائلة من ناحية، وعذاب
الضمير والخوف من الله من ناحية أخرى وتتطلع إلى يوم جديد تفتح فيه صفحة جديدة مع الحياة..
صفحة بيضاء.. الخير يملأ سطورها.. والتوبة تزين حروفها..!
في السطور المقبلة حاولنا كشف بعض
أسرار السجينات والخوض معهن في رحلتهن البائسة لتحكي لنا تلك البائسات البريئات
كما يقلن، والمذنبات بحكم القانون عن كل ما تحمله قلوبهن ويدور في عقولهن..
في طريقي إلى المكتبة
إدارة سجن النساء تجتهد في شَغل فراغ النزيلات واستثمار مهاراتهن في مصنوعات تدر عائداً مادياً للنزيلات علاوة على مساعدتهن نفسياً في مقاومة اليأس والإحباط.
زرت المعرض الخاص بالأشغال اليدوية.. المصنوعات التي أنتجتها أنامل النزيلات بكل مهارة.
عند دخولي المعرض أدركت إلى أي مدى النزيلات يروحن عن أنفسهن من خلال تلك الأعمال اليدوية الجميلة.. حيث نجحن في تكوين زبائن من خارج السجن يشترون تلك المنتجات المتقنة الصنع.
مسجد
خرجت من المعرض في طريقي إلى عيادة السجن وكان على يميني مسجد مليء بالنزيلات يقرأن القرآن.. هنا بين جدران السجن الموحشة تختلي المرأة بنفسها.. وتتلمس طاقتها الروحية فتشعر بالظمأ.. فتعظم الحاجة للرجوع إلى غذاء الروح القرآن وما أعظمه من غذاء لا ينضب معينه.
عيادة المستشفى
وجدت وحدة علاجية متكاملة بما فيها غرفة خاصة بالولادة ومعمل وعنبر داخله مرضى سرطان.. ولكن رغم نظافة المكان وتهيئته إلا أن مشكلة الدواء تظل هي أم المشاكل!
قصدت من هذه المشاهد السريعة أن انقل إلى القارئ صورة سردية ليتخيل المكان من الداخل.. قبل أن أغوص في أعماق سكان هذا المكان الموحش.. فخلف أسوار سجن النساء حكايات تدمي العين بدل الدمع..
طلبت من إدارة السجن أن تسمح لي بمقابلة مأمور السجن وتمت الموافقه والسماح لى بالتصوير والتسجيل مع مأمور سجن النساء بالقناطر الخيرية العقيد عبد الغفار إبراهيم ودار الحوار التالي:
محرره بوصلة تحاور مأمور سجن النسا
1- من فتره ليست بالبعيدة سمعنا أن القوات المسلحة
قد أعلنت استعدادها لسداد ديون الكثير من الغارمات في السجون المصرية، في كل
محافظات الجمهورية ,كم عدد هؤلاء الغارمات اللاتي خرجن من السجن؟
تقوم القوات المسلحة
والجمعيات الخيرية وجمعية مصر الخير بجهود لمكافحة هذه الظاهرة جهودًا فردية غير
مستدامة حيث قاموا بسداد ديون حوالى 320 سيدة غارمة ومساعدتهن فى الخروج من جميع
السجون المصرية.
2- كم عدد السجينات هنا بسجن القناطر
الخيرية؟
حوالى
1600 سجينة
3- ماذا كنت تعمل قبل أن تتعين مأمور لسجن
النساء بالقناطر الخيرية؟ ومن متى توليت المسؤلية؟
كنت
نائب مأمور سجن الرجال القديم، وتوليت المسؤلية هنا من شهر 8/2014
4- هل هناك اختلاف في التعامل مع السجينات
السيدات والرجال؟
بالتأكيد، السيدات بطبعهن
مزعجين جدًا ومشاكلهم كثيرة وطلباتهم أكثر!
5- بيطلبوا ايه؟
كمثل:
أمس طلبوا منى أنهم ياكلوا تورته وجاتوهات من عند لابوار!
6- معقول؟
اه
والله!
7- وحضرتك وافقت على الطلب؟
اه
طبعا
8- وعلى حساب من؟
كل سجينة
لديها حساب بالأمانات يتركه لها أحد أفراد أهلها أو أقاربها يتم المحاسبة من خلال
الأمانات الخاصة بكل سجينة ولا يتم التعامل بالأموال داخل السجن ولكن يتم التعامل
بالبونات بداية من نصف جنيه.
9- ما هى أقدم مسجونة داخل سجن النساء
بالقناطر الخيرية؟
مدام
فاطمة حجاج، السيدة التى كانت جالسة بجوارك عندما دخلتى إلى المكتب!
10-
كيف
تأتي مكتب المأمور؟
نطلق
هنا على مدام فاطمة "ماما بطة" هي في السجن من قبلي بسنين فهى مسجونه منذ
18 عامًا فى قضية أموال عامة!
تجلس فى مكتبي أحيانًا ويطلقون عليها مأمور
بالنيابة!
هى
سيدة كبيرة فى السن ولا تسبب أى مشاكل على مدار الـ 18 عامًا!
11-
وحكمها
كام عام؟
حكمها
20 عامًا
12-
ما
هى أغرب قضيه مرت عليك؟
يوميًا
توجد قضية أغرب، ولكن أغرب قضية لأم قتلت ابنتها بالتعاون مع عشيقها عندما رأتهم!
والغريب
أن أم هذه الفتاة المقتوله لا تعرف من أبوها! فهذه الأم من الباعة الجائلين بأحدى
أحياء المعادى، ولكن القضية مازالت تحت التحقيق ولا أعرف التفاصيل كاملة!!
13-
أصغر
مسجونة بالسجن؟
لديها
18 عامًا، وجاءت في قضية أداب!
14-
كيف يتم تقسيم العنابر بالسجن؟
عنبر للمخدرات، عنبر للأداب، عنبر للقتل، عنبر للأموال
العامة والغارمات.
15-
أكتر السجينات من أى عنبر؟ وكم يبلغن من العمر؟
عنبر المخدرات، من
19 سنة إلى 60 سنة
16-
هل يوجد بالسجن سجينات من الطبقة الراقية؟
بالتأكيد، هناك سيدة من الطبقة الغنية ولكنها جاءت في
قضية مخدرات خاصة بالتعاطي وتم الإفراج عنها من فترة ولكنها جاءت مرة أخرى من حوالي
ثلاثة أيام!
17-
معظم الغارمات أميون، وبالتالي فهي توقع أو تبصم على وصل
أمانة بمبلغ ما، ثم يرفع عليها الخصم قضية ويقوم بتغيير الملبغ هل القانون يحميها؟
القانون لا يحميها ولا يعترف بالذى يجهل القراءة والكتابة!
18-
هل الغارمات كلهن مظلومات؟
لا، 90% منهن كانوا على اتفاق مع الخصم ويضعن في اعتبارهن
أن مؤسسة مصر الخير سوف تقوم بدفع المبلغ المطلوب ويتم الافراج عنهن ويتقاسمن
المبلغ مع الخصم الوهمى!!
19-
يقومن بالاتفاق مع الخصم، محتاجين توضيح أكثر؟
مثلا تشترى تليفزيونات ب 70 ألف جنيه، ومن ثم تمضى وصل أمانة
على بياض أو شيك بالملبغ وتبيعها وتكسب منها وتتفق مع الخصم أنه يقوم بتغيير المبلغ
الى 700 ألف جنيه! ويذهب بالشيك ليرفع قضية ثم يتم القبض عليها وحبسها وهى فى
أعتبارها أن مؤسسة مصر الخير سوف تدفع لها المبلغ ويتم الإفراج عنها وتخرج لتتقاسم
المبلغ مع الخصم الذى قام برفع القضيه عليها!
20-
وهل هذه المؤسسات الخيرية على علم بأن هؤلاء الغارمات
يفعلن ذلك؟
أصبحت الأن جميع المؤسسات الخيرية قبل أن تقوم بدفع
المبالغ للغارمات تقوم بعمل دراسة حالة لهن والاستعلام عليهن.
21-
كيف يتم التعامل بين السجانات والمسجونات؟ هل توجد مشاكل؟
لا،
هنا نتعامل مع كل مسجونة على أنها سيدة وليس على أساس العقوبة التي جاءت بها،
ونحاسبها على مدى التزامها بالقواعد واللوائح.
22-
ما هى العقوبة التى تفرض على السجينة اذا لم تلتزم
بالقواعد واللوائح؟
نقوم
فى البداية بالتنيية عليها ثم الإنذار ثم الحرمان من الزيارة ثم أخر مرحلة وهى
التأديب الذي يتمثل في الحبس الانفرادى.
23-
ما عدد الزيارات المسموح لكل مسجونة فى الشهر؟
إذا
كانت فى فترة التحقيق فمسموح لها الزيارة مرة كل أسبوع، وإذا كانت محكوم فالزيارة
كل 15 يوماً.
24-
بالنسبة للرعاية الصحية كيف تتم الرعاية داخل السجن؟
لدينا
مستشفى ومجموعة كبيرة من الأطباء برتبة ظابط ويتم التعاقد معهم بحيث يكونوا متواجدين
مرتين في الأسبوع والحالات الحرجة التى تحتاج إلى رعاية أكثر فيتم نقلها إلى
مستشفيات خارجية، منها مستشفى المنيل الجامعي، ويكون عليها حراسة إلى ان تتحسن
صحتها وتأتى إلى السجن لاسكتمال العقوبة!
25-
هل توجد أنشطة للسجينات؟
بالطبع
يوجد، فن كورشيه والخياطة والمفارش ويتم عرض هذه الأشغال في المناسبات والأعياد
مثل عيد الأم وعيد الشرطة بإحدى الفنادق الخاصة بالشرطة وفندق الفورسيزون، ويدر أموال
للسجينات من هذه الأشغال، وتقوم دائمًا الدكتورة عزة العشماوي من مؤسسة الأمومة
والطفولة بزيارة السجن لتشاهد هذه الأشغال وتنبهر من مدى جودة وجمال هذه المشغولات
التى يقومن بها هؤلاء السجينات
26-
كم عدد الأمهات التى لديهم أطفال؟
51
أم و 53 طفل.
27-
وهؤلاء الأطفال يجلسون مع أمهاتهم فى السجن؟
إلى أن
يتموا سن السنتين فقط، عندما يبلغ الأطفال سن السنتين يقوم الأهل باستلام الطفل، وفى
حالة رفض الأهل استلام الطفل، يسلم إلى مؤسسات خيرية مثل أولاد مصر ودار الرعاية
ودار اليتامى والجمعيات الأخرى.
28-
ومن بعد سن السنتين، يطبق عليه قانون الزيارة مرتين فى
الشهر؟
نعم،
هؤلاء الأطفال يطبق عليهم الزيارة كل 15 يوم ويكون يوم السبت ويجلسون مع
أمهاتهم من الساعه 7 صباحًا إلى 5 عصرًا.
بعد ما انتهيت
من تلك الأسئلة التي أصابني الذهول من اجاباتها التى لم أكن أتوقعها أبدا.. طلبت
من السيد مأمور السجن أن يسمح لي بمقابلة بعض النزيلات وتمت الموافقة والسماح لي
بالتصوير والتسجيل مع عينة مختارة تمثل مسحاً متنوعاً..
كنت أتصور أنني من الممكن أن أتجول على العنابر والغرف لأقابلهن داخلها.. لكن
النساء النزيلات أصلاً يتجولن في كل أركان الساحة الفسيحة.. وتفضل مرافقتي أن تأتي
النزيلات لي في مكاني.. ربما لأسباب إدارية أو أمنية أو فنية بحتة!
"السجانة" ذات القوام الفارع المتماسك.. كانت تأتي لي بهن.. لأنها تعرفهن بأسمائهن وطباعهن ..
مشكلتي.. إيصال أمانة..
محرره بوصلة تحاور الأم سيدة فتحى المحكوم عليها فى 3 قضايا
"سيدة فتحى عبدالمؤمن"
حُكم عليها في 3 قضايا في 3 ايصالات قيمة شراء أجهزة لابنتها الكبرى بقيمة سبعة ألاف
جنيه بعد أن تقدم لها ابن الحلال، لأن زوجها لا يملك سوى "نصبة شاي علي الناصية"
فبعد أن زةجت ابنتها، بدأت تسدد ديونها حتي تعثرت بسبب الظروف الصعبة التي يعيشون فيها
فقام صاحب الأجهزة برفع عدة قضايا عليها بمبالغ كبيرة لا تعرف قيمتها! فقد كانت توقع
على إيصالات أمانة دون أن تعلم شيئًا، وعندما سألتها عن السبب قالت "الحوجة وحشة"
وانهارت "سيدة" وهي تردد هذه العبارة فهي محبوسة الآن وفي انتظار قضايا أخري
فهي لم ترتكب ذنبًا سوى أنها أرادت ستر ابنتها ولم تكن تعرف أن الثمن غالٍ ببُعدها
عن حضن صغارها في الظلام الذي تعيش فيه وسط عتاه الإجرام.
قالت لي.. وهي تعرف نفسها..
(أنا متزوجة ولي سته أبناء).. دخلتُ السجن
منذ عام (2010).. قضيت منهم ثلاث سنوات.. ولم يقم بزيارتى أحد أبنائى السته منذ ثلاث
سنوات.. وهنا أوقفها الدمع..
لاحظت أنا أنه عندما يذكر
(الأبناء) تنفجر مشاعر الأمومة وتغطي على الموقف.. أقسى ما تعانيه النزيلات هو مرارة
البُعد عن الأسرة والأبناء.. بل والخوف الصاعق على مستقبل الأبناء والبنات بعيدًا عن
أمهاتهم.
مشكلتي.. "شقيقة زوجى
خائنة!!"
محرره بوصلة تحاور سناء جمعه المحكوم عليها بالسجن لمدة 4 سنوات و8 شهور
جلست أمامي بملابس السجن
البيضاء.. شابة في العقد الثالث من العمر.. سنوات السجن والحرمان لم تهزم ملامح وجهها
الجميل.. وشبابها النضر.. لكن عيونها أسيرة للحزن والدموع.. اسمها 'سناء جمعه زكى'
طلبت منها أن تحكي حكايتها.. قالت سناء:
أمضي عقوبة الحبس لمده
4 سنوات و8 شهور، قضيت منهم 15 شهر فقط، حيث بدأت قضيتي عندما قررت تزويد دخلى أنا
وزجي وأولادي فكنت أقوم بشراء أجهزة وموبيليات لبيعها فى السوق بالقسط، وقمت بطلب
13 ألف جنيه من أخت زوجي ومضيت وصلين أمانة على بياض، فقامت أخت زوجى بتزوير أحد الإيصلات
إلى 300 ألف جنيه والآخر بـ 13 ألف جنيه ورفعت علي قضية، حيث اشتريت أجهزه بإجمالي
60 ألف جنيه بعد إضافة الفوائد عليها، وكنت أسدد بانتظام حتي قامت ثورة 25 يناير، وتبدلت
الأحوال، وتعثرت في السداد، وتم القبض علي، ولم أجد من يقف بجانبي حتى زوجى فهو يعاقبنى
ويحرمنى من رؤية أبنائى لأننى قمت بعمل ذلك بدون علمه!
واستمرت في سردها فقالت
لي: (كنت أعمل مسؤولة حسابات بمستشفى معهد ناصر وبعد حصولي على مؤهل متوسط كنت أدرس
بكلية التجارة بالجامعة المفتوحة، وتبنتى "أمنية" في الإعدادية و"مصطفى"
فى الصف الثالث الثانوي ودائمًا كانوا من الأوائل
كانت تبكي "سناء"
وأبكي أنا معها، فقدت القدرة على عزل عواطفي عن حكايات هؤلاء النسوة الممتحنات بالصبر!
مشكلتي.. تليفزيون وتسجيل!
محرره بوصلة تحاور فاطمه احمد المحكوم عليها لمدة 4 سنوات
"فاطمة أحمد عبدالرحمن"
سيدة جميلة جلست بالقرب مني.. وبدأ عليها الارتباك ربما لأنها لأول مرة تواجه الصحافة..
بذلت جهدي لأرفع الحواجز وأفك لسانها الخجول.. وسرعان ما انخرطت في سرد حكايتها بعمق
وطوال مدة روايتها كانت شاردة بعيداً، ودموعها تغسل وجهها.
تمضي عقوبة الحبس لمدة
4 سنوات، مأساتها بدأت عندما قررت أن تدخل البهجة على بناتها الثلاثة أكبرهن عمرها
18 سنة وأصغرهن عمرها 9 سنوات، فقامت بشراء تليفزيون وتسجيل لهم.. وتبقى لها جزء صغير
عند البائع فوقعت له إيصال على بياض قيمته 1500 جنيه، وكانت الصدفة أن تعرض زوجها لحادث
بشع في نفس الوقت وأدى هذا الحادث إلى حبسه لأنه كان يتعاطى الخمر أثناء سيره بالطريق
العام وأصابته بفقدان النظر!
وخرجت فاطمة تخدم في البيوت
حتى تسدد اقساط التليفزيون والتسجيل، كما أن مرض وحبس زوجها زاد من أعبائها فتراكمت
الديون عليهما، و«شغل البيوت» لم يف بالدين الذي وصل إلى 150 ألف جنيه فهي وحيدة في
هذه الدنيا هي وأبنائها ولم تقو على السداد حتي صدر الحكم عليها بهذه السنوات الطويلة
حيث تحتسب سنة السجن كاملة "12شهراً"، علي الرغم أن هناك بعض القضايا الجنائية
تحسب لهم سنة السجن فيها «9 أشهر» وتمضي "فاطمة" العقوبة لأن "ما باليد
حيله".
مشكلتي.. "شيك!"
"رضا عرفه حسن"
كانت أكثر الحالات مأساة، حالة تدمي قلبك عندما تعرف أن لديها 5 أبناء أصغرهن فى الصف
الثاني الابتدائى، حيث بدأت مأساة "رضا" عندما كتبت إيصال أمانة ب 6000 جنيه
لتجهيز بنتها للزواج، وما هي سوى أيام قليلة حتى وجدت نفسها تمضي عقوبة الحبس لمدة
3 سنوات، قضيت منهم 6 أشهر فقط، تاركه أبنائها الصغار مع الجيران.
قالت لي: كنت أجهز ابنتي
ووقعت على شيك بمبلغ 6 ألاف جنيه لشراء أجهزة كهربائية، قمت بسداد مبلغ 4000 جنيه،
وما هي إلا شهور قليلة حتي تعرض ابنى الكبير الذي كان يساعدنى فى قضاء الدين لحادث
ليترك لي تركه مثقلة بالديون الرهيبة.
انهارت "رضا"
فهي منذ أن دخلت إلى هذا السجن لا تعرف شيئًا عن أولادها، فزوجها أيضًا يقضى عقوبة
فى سجن الرجال منذ سنتين بسبب توقيعه على إيصال أمانه بقيمة 6 ألاف جنيه لأحد الجيران،
ولا يوجد لها أي دخل، لتلاطم أمواج الحياة العاتيه بمفردها.
هذه السيدة الجميلة أغرقتني
في بحر الدموع.. كانت تبكي وأرد عليها ببكاء أحر منها.. فأنا لا أملك لها في تلك اللحظة
سوى المواساة بالدموع!
قالت لي: أين أولادي وبناتي؟؟
لا أقصد المكان بل المستقبل.. أخشى أن يكون مصيرهم مثلي.. الحياة الموحشة تجعل المرء
متوحشًا
سألت السجانه التى كانت
تقف معي تلازمنى ولا تتركني.. أما من شفيع لهؤلاء السيدات الجميلات؟ المجتمع، أليس
فيه من النخوة ما يرفع عن كاهل مثل هؤلاء الأبرياء عنت السجن!
قالت لي إن هناك مبادرات
تأتي وتفرج عن بعضهن.. لكن الأمر متروك لمحاسن الصدف!
"محاسن
الصدف" كانت هذه أخر جملة سمعتها من داخل ممكلة سجن النساء!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق